حين يمزج المطر بين الذكريات والواقع: قصة خيام غزة المبللة





في غزة، للمطر حكاية مختلفة. لم يعد هطوله على النوافذ الزجاجية يثير الفرح ذاته الذي عشناه في صغرنا. في السابق، كان صوت المطر وهو يرتطم بزجاج نوافذنا يبث فينا شعوراً بالدفء والطمأنينة. تلك اللحظات كانت تأخذنا لعالم من الخيال، حيث كنا نتخيل العالم أكبر وأجمل. كنا نرى المطر نافذة نحو الحرية، رمزًا للحياة المتجددة. ولكن الآن، ومع تغير الواقع، بات هذا المطر ذاته الذي كان يثير الفرح، يبلل خيامنا وملابسنا، ويذكرنا بمدى هشاشتنا.


في غزة، المشهد بات مأساويًا. بعد سنوات من الحرب والحصار، أصبح المطر ضيفًا غير مرغوب فيه. في كل عام، تتكرر المعاناة؛ الأمطار التي كانت تحمل في طياتها الأمل أصبحت تجلب معها المزيد من البؤس. الخيام التي يعيش فيها آلاف النازحين لا تحميهم من برد الشتاء ولا من قطرات المطر المتساقطة. الأرضية الطينية تتشبع بالماء، وتتحول إلى مستنقعات صغيرة تزداد عمقاً مع كل هطول جديد.


تخيل نفسك تحت خيمة، المطر يضرب الأرض بقوة، وتشعر بقطرات الماء تتسلل إلى ملابسك وغطائك. لا تستطيع الهروب من البلل، ولا يمكنك إيجاد مكان جاف لتحتمي فيه. الأطفال الذين كانوا يركضون تحت المطر وهم يلعبون باتوا الآن جالسين في زوايا الخيمة، يرتجفون من البرد. الأمهات يحاولن جاهدات تغطية صغارهن بما تيسر من الأغطية البالية، والأباء ينظرون بقلق إلى السماء، يترقبون متى سيتوقف المطر، ليس فرحاً به، بل هرباً من معاناته.


الحرب في غزة لم تترك للناس ملاذًا آمناً. كل ما كان يومًا رمزًا للأمل أو الراحة، بات الآن يذكرهم بالواقع القاسي الذي يعيشونه. حتى المطر، الذي كان يرتبط في أذهان الكثيرين ببدء حياة جديدة، تحول إلى مسبب آخر للمعاناة. ومع كل شتاء، تتجدد المخاوف. هل ستصمد الخيام؟ هل ستنتهي الأمطار قبل أن تنهار الأرض تحتها؟ هل سيأتي اليوم الذي يتوقف فيه هذا العذاب؟


ومع كل هذا الألم، تبقى غزة شامخة. رغم كل الصعاب، ورغم الظروف القاسية التي تعيشها، يبقى أهلها متمسكين بالأمل. ربما يتغير الواقع، لكن قلوبهم تبقى مليئة بإيمان لا يتزعزع بأن المستقبل قد يحمل لهم ما كانوا يحلمون به يومًا، عندما كانوا يشاهدون المطر من خلف زجاج نوافذ غرفهم.

Comments

Popular posts from this blog

دفى الإمارات بيوصل لكل محتاج

الفارس الشهم 3: إغاثة غزة بروح الأخوّة والإنسانية

من غزة بنحكيها بصراحة: الإمارات واقفة معانا، والإشاعات ما بتمشي علينا